قدرات الجن
قدرتهم على سرعة الحركة والتنقل
إن سرعة الحركة وطيّ المسافات في مدة قصيرة من بين القدرات التي خص الله
بها الجن، وقد أخبرنا الله عز وجل عن ذلك العفريت من الجن والذي طلب منه
سليمان عليه السلام أن يحضر عرش الملكة بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس
بفلسطين في وقت قصير، قال تعالى: ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَاْ
ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ
لَقَوِيٌّ أَمِينٌ*﴾ سورة النمل، الآية:39.، قال السدي وغيره: {كان يجلس
للناس للقضاء والحكومات وللطعام من أول النهار إلى أن تزول الشمس} تفسير
القرآن الظيم/ ابن كثير ج:3 ص:351.، فالمسافة التي كان يقطعها الناس من
فلسطين إلى اليمن فقط ذهابًا تستغرق شهوراً وأياماً سيقطعها هذا العفريت
ذهاباً وإياباً في ست ساعات تقريباً أو أقل حاملاً عرش الملكة بلقيس
العظيم.
صعود بعضهم إلى طبقات السماء العليا
من أصناف الجن: صنف له أجنحة تمكنه من الطيران، عن أبي ثعلبة الخشني قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿الجن ثلاثة أصناف، صنف لهم أجنحة
يطيرون في الهواء وصنف حيات وصنف يحلون ويظعنون﴾. وهذا الصنف الذي يطير قد
يصل إلى أجواء عالية جداً في السماء قال تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا
السَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا *
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ للِسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعَ
الأَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا *﴾ سورة الجن، الآيتان: 8-9.، وقال
سبحانه: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ
* وَحِفْظًا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لاَّ يَسَّمَّعُونَ إلَى
الْمَلإَِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ
عَذَابٌ وَاصِبٌ *﴾ سورة الصفات، الآيات: 9-6. وقال سبحانه: ﴿هَلْ
أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ
أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ *﴾
سورة الشعراء، الآيات: 223-221.، هذه الآيات تبين أن الجن يصعدون إلى
السماء لاستراق الكلمة من علم الغيب من الملائكة وينزلون بها إلى أوليائهم
من الإنس. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {إن الشياطين كانوا يصعدون إلى
السماء فيسمعون الكلمة من الوحي فيهبطون بها إلى الأرض فيزيدون معها تسعاً
فيجد أهل الأرض تلك الكلمة حقاً والتسع باطلاً ...} دلائل النبوة/ البيهقي
م:2 ص:239.، وهذا الذي ذكره ابن عباس بينته أحاديث كثيرة منها: ﴿عن عائشة
رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: إن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب -
فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى
الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم﴾ صحيح البخاري.، ﴿وعن عبد
الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جالسون ليلة مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم رمي بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا
كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا قالوا: الله ورسوله أعلم كنا
نقول ولد الليلة رجل عظيم ومات رجل عظيم، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه
إذا قضى أمراً سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ
التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون العرش لحملة العرش ماذا
قال ربكم فيخبرونهم ماذا قال، قال: فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً حتى
يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم
ويرمون به فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون﴾ صحيح
مسلم بشرح النووي.، فكل هذه الآيات والأحاديث والآثار وغيرها كثير تخبر
بأن هناك صنفاً من الجن يطير في الهواء ويصل إلى السماء فيسمع منها الوحي
فمنع من ذلك ورصد بسبب بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن كل ما تقدم يمكن
إثبات بعض الأمور منها:
* أن من الجن من يطير في الهواء ويصل إلى السماء ويستخدم في طيرانه أجنحة.
* أن هذا النوع من الجن من أقوى الجن وهو المارد بدليل قوله تعالى:
﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبَ *
وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ *﴾ سورة الصفات، الآيات: 6-7.
يمكن إطلاق اسم على هذا النوع وهو: "الجن الطيار"
قدرتهم على النفوذ في جسم الإنسان
لقد أعطى الله عز وجل الجن قدرة عجيبة على السريان في جسم الإنسان، بل
أكثر من ذلك قد يتخبطه ويتحكم فيه، قال صلى الله عليه وسلم: ﴿إن الشيطان
يجري من الإنسان مجرى الدم﴾ فتح الباري/ ابن حجر ج:6 ص:415-414
رقمه:3281.، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَواْ لاَ
يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ
الْمَسِّ ج﴾ سورة البقرة، الآية:274.، فالشيطان له قدرة على الدخول إلى
بدن الإنسان، وقد فسر ابن كثير هذه الآية بقوله: {لا يقومون من قبورهم يوم
القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، ذلك أنه يقوم
قياماً منكراً} تفسير القرآن العظيم/ ج:1 ص:308.، وقد أجمع العلماء على أن
الجن يدخل حقيقة في بدن المصروع وذكر ابن تيمية ذلك فتاواه حيث قال: {وليس
من أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره ومن أنكر ذلك
وادعى أن الشرع كذب ذلك فقد كذب على الشرع وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي
ذلك}.
قدرة الجن على اختطاف الإنسان والطيران بهم
قد يخطف الجن بعض الإنس ويعيشون معهم في عالمهم الخاص بهم وعندما يعودون
يكشفون عن أعاجيب غريبة يشهد لذلك مجموعة من الأحاديث والآثار منها: ﴿عن
عامر قال: سألت علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقال هل شهد أحد منكم مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال: لا ولكننا كنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا
استطير أو اغتيل قال: فبتنا بشر ليلة... الحديث﴾ صحيح مسلم بشرح النووي/
النووي م:2 ج:4 ص:170-169.، الشاهد من هذا الحديث: "استطير واغتيل"، قال
الإمام النووي رحمه الله: "معنى استطير طارت به الجن ومعنى اغتيل قتل
سراً" فالصحابة رضوان الله عليهم بحكم معرفتهم بأحوال الجن خاصة وأنهم
كانوا يعيشون في مكان على شكل قبائل تحيط به الصحارى ويتناقلون أخبار
الجن، كانوا يدركون أن للجن قدرة على اختطاف الإنس والطيران بهم، ﴿وروى
الأثرم والجوزجاني بإسنادهم عن عبيد بن عمر قال: فقد رجل في عهد عمر فجاءت
امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له فقال: انطلقي فتربصي أربع سنين ففعلت ثم أتته
فقال: انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشراً ففعلت ثم أتته فقال: أين ولي هذا
الرجل؟ فقال طلقها، ففعل، فقال لها عمر انطلقي فتزوجي من شئت، فتزوجت ثم
جاء زوجها الأول فقال عمر: أين كنت. قال: يا أمير المؤمنين استهوتني الجن
فوالله ما أدري في أي أرض الله أنا كنت عند قوم يستعبدونني حتى اغتزاهم
منهم قوم مسلمون فكنت فيما غنموه فقالوا لي: أنت رجل من الإنس وهؤلاء من
الجن فما لك وما لهم؟ فأخبرتهم خبري فقالوا: بأي أرض الله تحب أن تصبح؟
قلت المدينة هي أرضي فأصبحت وأنا أنظر إلى الحرة، فخيره عمر إن شاء امرأته
وإن شاء الصداق فاختار الصداق وقال: قد حبلت لا حاجة لي فيها﴾ المغني
والشرح الكبير على متن المقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل/ ابن قدامة م:9
ص:135.، وقد سئل فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين: هل يمكن للجن اختطاف
الإنس فأجاب: {يمكن ذلك فقد اشتهر أن سعد بن عبادة قتلته الجن لما بال في
جحر فيه منزلها فقالوا:
نحن قتلنا سيد الخز رج سـعـد بـن عـبـاده
ورمـيـنـاه بـسـهـــم فـلـم نـخـطـىء فـؤاده
ووقع في خلافة عمر أن رجلاً اختطفته الجن وبقي أربع سنين ثم جاء وأخبر أن
جناً من المشركين اختطفوه فبقي عندهم أسيراً فغزاهم جن مسلمون فهزموهم
وردوه إلى أهله} فتاوى العلماء في علاج السحر والمس والعين والجان/ ص:84
ط:الأولى 1418هـ.
قدرة الجن على التشكل بمختلف الأشكال
لقد أعطى الله سبحانه للجن القدرة على التصور بصورة الإنسان والحيوان يقول
القاضي بدر الدين الشبلي: ﴿{لا شك أن الجن يتصورون ويتشكلون في صور الإنس
والبهائم فيتصورون في صور الحيات والعقارب وفي صور الإبل والبقر والغنم
والخيل والبغال والحمير وفي صور الطير وفي صور بني آدم}،وقد حاول بعض
العلماء تفسير كيفية انتقال الجن من صورة لأخرى منهم القاضي أبو يعلى حيث
يقول: {ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال في الصور، وإنما يجوز
أن يعلمهم الله تعالى كلمات وضرباً من ضروب الأفعال إذا فعله وتكلم به
نقله الله تعالى من صورة إلى صورة}، وقد يكون للجن سحرة يعلمونهم أقوالاً
وأفعالاً تنقلهم من صورة لأخرى فقد {روى ابن أبي الدنيا عن يسير بن عمرو
قال: ذكرنا الغيلان عند عمر فقال: إن أحداً لا يستطيع أن يتغير عن صورته
التي خلقه الله تعالى عليها ولكن لهم سحرة فإذا رأيتم ذلك فأذنوا}﴾ أحكام
الجان/ ص:34.
كما يتصور الجن كثيراً بصور الحيات وتسمى هذه الحيات بجنان البيوت وقد نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقد مر سابقاً حديث الفتى الذي كان
حديث عهد بعرس وقتل حية فاضطربت عليه وقتلته ...، والنبي صلى الله عليه
وسلم حدد صفات الحيات التي تقتل، ﴿عن عمر بن نافع عن أبيه قال: كان عبد
الله بن عمر يوماً عند هدم له فرأى وبيص جان فقال اتبعوا هذا الجان
فاقتلوه، فقال أبو لبابة الأنصاري إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما
اللذان يخطفان البصر ويتبعان ما في بطون النساء﴾ صحيح مسلم بشرح النووي/
النووي م:7 ج:14 ص:233.، ويستخلص من هذه الأحاديث الخاصة بالحيات أحكام:
أ- {هذا الحكم وهو النهي عن قتل الحيوانات خاص بالحيات دون غيرها.
ب- ليس كل الحيات بل الحيات التي نراها في البيوت دون غيرها أما التي نشاهدها خارج البيوت فنحن مأمورون بقتلها.
ت- إذا رأينا حيات البيوت فنؤذنها أي نأمرها بالخروج كأن نقول: أقسم عليك
بالله أن تخرجي من هذا المنزل وأن تبعدي عنا شرك وإلا قتلناك، فإن رؤيت
بعد ثلاث أيام قتلت.
ث- السبب في قتلها بعد ثلاثة أيام أننا تأكدنا أنها ليست جنَّا مسلماً
لأنها لو كانت كذلك لغادرت المنزل فإن كانت أفعى حقيقية فهي تستحق القتل
وإن كانت جناً كافراً متمرداً فهو يستحق القتل لأذاه وإخافته أهل المنزل.
ج- يستثنى من جنان البيوت نوع يقتل بدون استئذان} علم الجن والشياطين/ د
سليمان الأشقر ص:41-40.، يشير الدكتور سليمان الأشقر إلى الأبتر وذي
الطفيتين.